هو عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، أبو بشر، إمام النحاة، حُجَّة العرب، وأول من بسط علم النحو، وصاحب الكتاب: حجة العربية ودستورها، وهو فارسي الأصل.
وُلِد عام أربعين ومائة من الهجرة 140هـ على الأرجح، وذلك في مدينة البيضاء من أرض فارس، وهي أكبر مدينة في اصْطَخْر على بُعد ثمانية فراسخ من شيراز، قَدِم البصرة وهو غلام صغير، فكان منشؤه بها.
¤ نشــــأته:
نشأ سيبويه في البصرة في العراق، حيث مراكز العلم ومنابر العلوم، ومع حداثة سنِّه انطلق يصحب أهل الحديث والفقهاء حيث ميله ومراده، فكان يستملي على حمَّاد بن سلمة في حلقته ليكتب الحديث ويرويه، ويشاء الله أن يكون لغير ما طلب وما أراد أولاً، فقد سأل يومًا حماد بن سلمة فقال له: أحدَّثك هشام بن عروة عن أبيه في رجلٍ رعُف في الصلاة، بضم العين؟ فقال له حماد: أخطأت، إنما هو رعَف بفتح العين، فانصرف سيبويه إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد، فقال له الخليل: صدق حماد! ومثل حماد يقول هذا، ورعف بضم العين لغة ضعيفة.
ثم يتكرر الموقف مرة أخرى، فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحد من أصحابي إلا وقد أخذتُ عليه ليس أبا الدرداء»، فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء بالرفع، وقد خمَّنه اسم ليس، فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما ليس ها هنا إستثناء، فكان أن أَنِف سيبويه من ذلك وقد أخذ قراره، فقال: لا جرم لأطلبَنَّ علمًا لا تلحنني فيه أبدًا، فطلب النحو، ولزم الخليل.
¤ شيوخ سيبويه:
من أشهر شيوخه حماد بن سلمة، وبعد قراره الأخير هذا، عمد سيبويه إلى إمام العربية وشيخها الخليل بن أحمد الفراهيدي، لينهل ويتعلم منه عن حبٍّ وعزيمة وقوة إرادة، فصار يلازمه كالظلِّ حتى لقد بدا تأثره الكبير بشيخه هذا، على طول صفحات كتابه الوحيد وعرضه في رواياته عنه.
ولم يكتف سيبويه بشيخه الخليل بن أحمد، في علوم النحو والعربية، بل إنه إستزاد من ذلك شأن أقرانه في ذلك الوقت، فتتلمذ أيضًا على يد أبي الخطاب المعروف بالأخفش الأكبر، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبي زيد الأنصاري النحوي، وغيرهم.
¤ تلامذة سيبويه:
لم يكن لسيبويه تلاميذ كثيرون، وكان من أبرز من تتلمذوا على يديه، ونَجَم عنه من أصحابه: أبو الحسن الأخفش، وهو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وقُطْرب وهو أبو عليٍّ محمد بن المستنير، ويقال: إنه إنما سمِّي قطربًا لأن سيبويه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه، فيقول له: إنما أنت قطرب ليل، والقُطْرب: دويبة لا تزال تدبُّ، ولا تفتر.
وقال أبو العباس المبرد: "كان الأخفش أكبر سنًّا من سيبويه، وكانا جميعًا يطلبان. قال: فجاءه الأخفش يناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره، فقال له سيبويه: أتراني أشكُّ في هذا.
¤ قالوا عنه:
قال عنه ابن عائشة: كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًّا جميلاً نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسببٍ، وضرب في كل أدب بسهمٍ، مع حداثة سنِّه وبراعته في النحو.
وحدَّث أحمد بن معاوية بن بكر العليمي، قال: ذُكر سيبويه عند أبي، فقال عمرو بن عثمان: قد رأيته وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر، أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبْسة، ونظرتُ في كتابه فرأيت علمه أبلغَ من لسانه.
وذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس، في كتابه طبقات الأمم، قال: لا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها، فشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء، إلا ما لا خطر له.
وقال أبو جعفر: لم يزل أهل العربية يفضلون كتاب سيبويه، وقال محمد بن يزيد: لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه، وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره.
¤ وفاة سيبويه:
في مرضه الذي تُوُفِّي فيه، قيل إنه تمثَّل عند الموت بهذين البيتين:
يُؤَمِّل دنيا لتبقى له *** فمات المؤمِّلُ قبل الأملْ
حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل *** فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ
ويقال: إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه، فدمعت عين أخيه، فإستفاق فرآه يبكي فقال:
أخيين كنَّا فَرَّق الدهرُ بيننا *** إلى الأمدِ الأقصى ومن يأمنُ الدهرا
وقال الأصمعي: قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:
ذهب الأحبة بعد طول تزاورٍ *** ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا
تركوك أوحش ما تكونُ بقفرة *** لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا
قَضَى القضاءُ وصرتَ صاحبَ حفرةٍ *** عنك الأحبة أعرضوا وتصدَّعوا.
وأغلب الظن أن وفاة سيبويه لم تكن طبيعية، فإنه حين علم =بعد مناظرة الكسائي- أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، خرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً، إلى أن مات كمدًا، ويُروى أنه ذَرِبتْ معدته فمات، وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلافٌ عريض، والراجح من الأقوال، أن ذلك كان في سنة ثمانين ومائة من الهجرة (180هـ).
وذكر الخطيب أن عمره كان اثنتين وثلاثين سنة، ويقال: إنه نَيَّف على الأربعين سنة، وهو الصحيح، لأنه قد روى عن عيسى بن عمر، وعيسى بن عمر مات سنة تسع وأربعين ومائة، فمن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه، إحدى وثلاثين سنة، وما يكون قد أخذ عنه إلا وهو يعقل، ولا يعقل حتى يكون بالغًا، والله أعلم.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.